علوم فضاء العلوم

ألعاب الخفة: ما يكشفه السحر عن كيفية عمل أدمغتنا !

يقدم فن خفة اليد أو  ألعاب الخفة نظرة رائعة على سيكولوجية الواقع والإدراك. يلتقط الساحر عملة نقدية ويخفيها داخل يده وبعد وهلة تختفي العملة بشكل غامض لتظهر من خلف أذنك. بينما انت تشاهد هذا الأداء وأنت مدرك تماما أنه لا يمكن تجسيد الأشياء ببساطة هكذا في الهواء ولكن هذا بالضبط ما اختبرته للتو عيناك، شيء لا يصدق اليس كذلك،يعد استحضار الاشياء بخفة يد سريعة أحد أقدم أشكال الترفيه عبر التاريخ وقد أذهل المحتالون الجماهير من خلال أداء أوهام طوال هذه المدة لذا لا تستغرب.

فن السحر او ألعاب الخفة لم تفقد جاذبيتها أبدا حتى في وقتنا الحالي الذي يهيمن عليه العلم والتكنولوجيا، فنحن ما زلنا مفتونين بتجربة أشياء نعتقد أنها مستحيلة. فلطالما اسرتنا الاشياء الغامضة والممتعة مذ كنا صغارا. ومع ان معظم الناس يعتقدون ان السحر مجرد شكل آخر من أشكال الترفيه الا ان فن استحضار الاشياء او العاب خفة اليد القديمة اصبحت تساعد العلماء الآن في الكشف عن بعض أسرار العقل البشري الخفية.

اصحاب العاب خفة اليد يتخدون بعضا من أهم الأسئلة النفسية والفلسفية العميقة منهجا لهم لخداع عقول المتفرجين. ما الذي تعتقد أنه ممكن؟ ما هو الوعي؟ ما مقدار السيطرة على أفكارك وتصرفاتك؟

ألعاب الخفة

يقول الذكتور Gustav Khun Photograph لطالما كنت مفتونا بالسحر وكرست معظم سنوات المراهقة له. عندما كنت طفلا، اقترضت كل كتاب عن السحر من المكتبة المحلية وأمضيت وقت فراغي في ممارسة حيل جديدة. كنت مهتما بشكل خاص بفهم السبب الذي يجعل السحر يعمل بهذا الشكل، لذلك قرأت كتبا في علم النفس والتي آملت أن تعطيني فهما أعمق لكيفية خداع العقل. كانت هذه الرغبة في اكتشاف طرق أكثر قوة لاختراق العقل البشري هي التي دفعتني إلى دراسة علم النفس في الجامعة.

بالنسبة لمعظم السحرة، هذا الرابط بين السحر وعلم النفس واضح. فالسحر يعتمد على أوهام نفسية قوية والسحرة يخلقون حيلهم من خلال استغلال الثغرات والأخطاء في تجربتنا الواعية.

أثناء تسجيلي لدراسة علم النفس بالجامعة، فوجئت بان العلماء غير مهتمين بشكل خاص بالسحر. لم يتحدث أي من كتبي الدراسية عن علم النفس المعرفي، لم يكن هناك سوى حفنة من الأبحاث والدراسات التي نجحت فيها تجارب السحر بطريقة علمية وقد نشر معظمها قبل أكثر من 100 عام. شعرت بخيبة أمل انذاك، ولكن عندما بدأت أعمل في معرفة المزيد عن أسرار الدماغ، استبدلت شغفي بالسحر بعلم النفس.

في عام 2003، عندما كنت قد أتممت درجة الدكتوراه في علم النفس، أتيحت لي الفرصة لاستخدام معدات تتبع العين لمعرفة كيف يسيطر السحرة على انتباه الناس. لقد طورنا تجارب ممتعة استخدمنا فيها بعض معدات تتبع العين لقياس حركات عيون الناس أثناء مشاهدتهم لي وانا اقوم بالحيل البسيطة. كانت هذه هي المرة الأولى التي نتوفر فيها على بيانات علمية ساعدتنا كثيرا في فهم كيفية عمل دماغنا، وصراحة فقد فوجئنا بان الناس فشلوا في كثير من الأحيان في رؤية الأشياء التي كانت حقيقية أمام أعينهم. كانت هذه التجارب فعالة لدرجة أن بعض الأشخاص كانوا ينظرون إلى كائن ما لكنهم ببساطة لم يروه لانه غير موجود في الحقيقة. لذلك سرعان ما توصلنا الى ان السحر يمكن أن يكون أداة مفيدة لدراسة الادراك البشري.

كانت هذه التجارب العلمية المبكرة نقطة تحول في حياتي المهنية. لقد وجدت طريقة للجمع بين اثنين من اهتماماتي الرئيسية: السحر وعلم النفس. أنا الآن طالب في مجال علم النفس ومدير مختبر ماجيك (العقل والانتباه والإدراك والوهم العام)، وأقضي معظم وقتي في دراسة الإدراك البشري. فبدلا من أداء السحر للترفيه عن الناس، أدرس تاتير السحر على الناس في المختبر.

يعتمد منهجنا العلمي على المنطق التالي : قضى السحرة مئات السنين في تطوير فن الخداع وبهذا اكتشفوا الحيل القوية التي تستفيد من الأخطاء الإدراكية. يدرس العلماء بانتظام الأخطاء المعرفية، وغالبا ما ينظرون إلى الإعاقات النفسية الناجمة عن تلف في الدماغ ايضا. فعلى سبيل المثال يمكن لتلف أجزاء معينة من القشرة الدماغية أن تمنع بعض الأشخاص من التعرف على الوجوه او أن تؤدي إلى فشل ذاكرة معين.

لا يهتم السحرة بفهم مكونات الدماغ، لكن خبرتهم في خداع الأشخاص ساعدتهم على تحديد الأخطاء العميقة في الإدراك. وفي الواقع تعتمد معظم الخدع السحرية على استغلال الأخطاء الإدراكية المذهلة والقوية، وقد تعلم السحرة بشكل غير رسمي فهم المبادئ النفسية التي تدفع بعملياتنا المعرفية لنقطة الانهيار. ومن خلال فهم تقنيات خفة اليد هذه وآلياتها المعرفية الأساسية يمكننا حينئذ اكتساب معرفة قيمة عن كيفية عمل العقل.

لقد كان لي اهتمام كبير بدراسة السحر بطريقة علمية والان عالم السحر اصبح مجالا في حد ذاته يدرس في العديد من المدارس. فقد بدأ السحرة والعلماء في التعاون لتحديد المعارف التي ينبني عليها السحر من اجل الكشف عن الظواهر النفسية الكامنة .

كشف الكثير من عملنا في هذا المجال أن الفجوات في تجربتنا الواعية أكبر مما افترضناه مسبقا. فعندما تنظر إلى محيطك فإنك تختبر العالم كتجربة حسية غنية وكاملة. ويوضح بحثنا أن هذه التجربة الواعية هي وهم قوي لا غير.

إن تصورنا الحقيقي مليء بالفجوات والثغرات، وانا أقضي الكثير من وقتي في دراسة هذه الأنواع من الأوهام ، وعلى الرغم من أنني أعلم أن عقلي يتعرض للخداع، إلا أنني لا أزال أجد صعوبة في تقدير مدى ضآلتي امامها. إنه وهم مقنع للغاية ويصعب كسره.

هذه البحوثاث التي اجريناها اثرث كثيرا في محاولتنا لفهم العالم الحقيقي. فمن المهم في كثير من الأحيان الحكم بدقة على قدراتنا المعرفية، ويمكن أن يكون لسوء التقدير عواقب وخيمة على ادمغتنا. على سبيل المثال، يقلل معظم الأشخاص من مدى توجيه انتباههم اثناء اجراء مكالمة هاتفية. فقد أظهرت الأبحاث أن التحدث حتى على الهاتف بدون استخدام اليدين للتفاعل مع المستمع له نفس التأثير الضار على قيادتك بدون استخدام كلتا يديك. ومع ذلك،نظرا لأننا نبالغ في تقدير قدراتنا، فإننا لا نلاحظ تأثير هذا الخطأ التكنولوجي على أدائنا.

توضح الأبحاث المتعلقة بالسحر أننا لا نخطئ في تقدير المبلغ الذي نراه فحسب، بل أيضا بشأن المدى الذي يمكن أن نثق به في الأشياء التي نراها ونتذكرها. بما أننا ما زلنا لم نكتشف بعد كيفية عمل ادمغتنا بصفة كلية، فقد أصبح من الواضح أن معظم تجاربنا هي وهم في وهم. ومن بين كل هذه الأوهام فإن وهم الارادة الحرة هو الشيء الذي أجده أكثر إثارة للقلق.

نحن نحب الشعور بأننا مسؤولون عن أفكارنا وأفعالنا والتخلي عن شعورنا بالإرادة الحرة غير مريح إلى حد ما. لكن السحرة طورو طرقا قوية للتعامل مع أفكارك، ويمكنهم التأثير على العديد من الخيارات التي تقوم بها. على سبيل المثال ، قد يطلب منك الساحر اختيار بطاقة من مجموعة أوراق اللعب، وبينما تشعر أن لديك الخيارا التام، فقد جعلك الساحر تختار بطاقة واحدة معينة فقط هو يعرفها جيدا. تعرف هذه بالقوة وهو مبدأ يرشدك به السحرة سرا نحو اختيار محدد مسبقا.

نحن ندرس االآن الآلية النفسية التي تدعم هذه التقنيات الإجبارية، والسهولة التي يمكننا بها معالجة قرارات الناس بشكل مثير للفضول. الأهم من ذلك أن هذه النتائج توضح أنه حتى إحساسنا بالإرادة الحرة قد يكون بمثابة وهم قوي.

ان دراسة السهولة التي يمكن للساحر التلاعب بها بتجربتنا الواعية مثيرة للاهتمام حقا مع انها في بعض الأحيان تثير قلق العقل البشري. كيف تعالج ادمان اطفالك على الالعاب الالكترونية دون اللجوء الى العنف ؟

Leave a Comment